موضوع: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 23/2/2012, 5:30 am
بداية القصة
-تبدأ القصة بذكر الرؤيا على لسان يوسف (يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)والرؤيا أمر يراه النائم، غالباً ما يكون رمزاً وإشارة ودلالة (كما جاء في رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام) والرمز أمر غامض خفيّ يحتاج إلى بيان وإظهار وكشف، وتأويل رؤيا يوسف يعني فكّ رموزها المستورة، وبيان مدلولاتها الخفية. ولذا جاء تأويل سيدنا يعقوب رؤيا ابنه على أنها النبوة إظهاراً وكشفاً لما جاء رمزاً غامضاً.
إذ قال سيدنا يعقوب (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، إذاً أوّل سيدنا يعقوب رؤيا ابنه على أنها النبوة، وأن ما جاء في الرؤيا من إشارات هو من علامات تلك النبوة.
لكن من يستمع إلى القصة يُفاجأ بقول سيدنا يعقوب (يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) إذ يتساءل من يستمع إلى هذا القول: ما شأن إخوته حتى يكيدوا ويمكروا ولا يفرحوا ويسرُّوا برؤياه، ورؤياه تعني العز والمجد والسلطان، وإن نال أخوهم هذا الشرف فلا بدّ أن يكون لهم نصيب منه..؟؟
الله يعلم أن هذا الأمر سيثير تساؤلاً في نفس القارئ فيأتي قوله(لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) ورداً على التساؤل حول موقف الإخوة، يقول الله تعالى (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)
أراد تعالى أن يبيّن لنا ما خفي علينا من موقف إخوة يوسف حسب ما جاء على لسان سيدنا يعقوب، فجاءت علة هذا الموقف وسببه على لسان إخوة يوسف.
عقدة القصة
-الآن إخوة يوسف يفكّرون بطريقة للتخلص منه حتى يخلو لهم وجه أبيهم.
ثمة اقتراحات ثلاثة وردت على ألسنتهم :
1- اقْتُلُواْ يُوسُفَ: والقتل إخفاء وتغييب لا إظهار بعده فالقتيل يوارى ثم قد لا يظهر أمره بعد ذلك. 2- أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا: أي ارموه في أرض واسعة وهذا إظهار لا تغييب فيه ولا إخفاء، إلا على احتمال أن يفترسه وحش ضارٍ، وهذا مجرد احتمال لا تبدو دلائله في قولهم (أو اطرحوه أرضاً).
3- وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ (إخفاء)يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ(إبانة) وشاءت حكمة الله تعالى أن يكون قرارهم فيما يفعلونه قائماً على مبدأ الإخفاء والستر ثم الإظهار والإبانة والكشف.
-في لحظة التغييب والإخفاء (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) يطمئن الله سيدنا يوسف بأن الأمر الذي يحاولون إخفاءه سوف يظهر ويُكشف (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون)
ويأتي الإظهار والإبانة بعد التغييب (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ) إن ما أريد له أن يختفي ويستر، كشفه الله تعالى وأبانه، وخرج سيدنا يوسف من البئر.
-غير أن السيّارة الذين وجدوا سيدنا يوسف لم يحملوه بشكل ظاهر علنيّ، مخافة أن يطالب به أحد من ذويه إن كان حرّاً، أو يدّعي ملكيته سيّد إن كان عبداً، لذا (أَسَرُّوهُ بِضَاعَةً)، أي أنهم قاموا بإخفائه بنيّة بيعه، وهذا إخفاء وستر، سيتبعه كشف وإبانة حين يصلون إلى مصر ويبيعونه.
من عقدة لعقدة
-ها هو يوسف (عليه السلام) وقد بلغ أشدّه، تراوده امرأة العزيز، وتغريه بارتكاب الفاحشة، والأمر يتطلب الإخفاء والستر(وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ)،ولمّا أبى يوسف (عليه السلام) النزول عند رغبتها، وكبر عندها ذلك، كان أول ما فعله سيدنا يوسف وكذلك امرأة العزيز هو الاتجاه إلى الأبواب المغلقة يوسف ليفتحها و امرأة العزيز لعدم تمكينه من ذلك، (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ)، فالباب الذي أغلق على أنه وسيلة من وسائل الإخفاء والستر، هو الآن أداة من أدوات الإظهار والكشف...
-وتسارع امرأة العزيز باتهام يوسف بأنه أراد بها الفاحشة، وأرادت بذلك ستر الحقيقة وتغييبها ، لكن وجود شاهد من أهلها واقتراحه أن يُنظر في القميص هل قدَّ من قبل فتكون امرأة العزيز صادقة أم من دبر فتكون من الكاذبين، هذا الشاهد كان أداة الكشف والإظهار التي أبانت براءة يوسف وعفّته. -ولمّا شاع الخبر بين الناس، ووصل إلى امرأة العزيز أن نسوة في المدينة يتحدثن عنها ويلمنها على مراودتها فتاها، أرادت أن تكيد لهن وتطلعهن على حُسْنِ يوسف وجماله حتى لا يلمنها ، لكنها لم تُجلس يوسف في مكان ما ثم تحضر النسوة ليرينه، وإنما اختارت أن تخفيه عن نواظرهن ثم تظهره وتبيّنه لهن، فأخفت يوسف عليه السلام (وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) وهذه إبانة بعد إخفاء. و بها بيّنت امرأة العزيز للنسوة ما كان خافياً عليهن من سبب مراودة يوسف عن نفسه.
-ثم يدخل يوسف السجن، وتعرض لنا القصة قضية الرؤيا هنا مرتين:
أ- حين يسأله فَتَيان كانا معه في السجن عن رؤياهما فيؤول لكل فتى منهما رؤياه. ب- وحين يؤول رؤيا الملك في (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) وذلك بعد إخراجه من السجن.
والرؤيا -كما قلنا- رمز موحٍ وإشارة دالة، يكتنفهما شيء من الغموض والستر وتأويل الرؤيا كشف وإظهار وإبانة .
ثم إن دمنتديات السويسرى يوسف السجن ( تغييب وإخفاء) ثم خروجه منه (إظهار وإبانة). لكن يوسف (عليه السلام) لم يكن ليرضى أن يخرج من السجن وما زال في قضية امرأة العزيز والنسوة اللواتي قطعن أيديهن لبس أو غموض، فطلب أن يعاد النظر في الأمر حتى يُعلن ما كان خافياً، ويظهر
ما كان مستوراً. فلما سئلت النسوة عن الأمر (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) وأما امرأة العزيز فقد قالت (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) وحصحص تعني –لغوياً- ظهر وانكشف بعد خفاء. والحصحصة: بيان الحقّ بعد كتمانه
على خزائن الأرض -ويجعل الملكُ سيدَنا يوسف على خزائن الأرض، ويأتي إليه إخوته ليكتالوا في السنوات المجدبة (فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ).
وهكذا خفيت شخصية يوسف على إخوته ولم يعرفوه، وهذا الإخفاء سيتبعه بيان في نهاية الأمر حين يكشف يوسف عن شخصيته (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ* قَالُواْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا).
-موقف آخر تبدو فيه قضية الإخفاء والإبانة واضحة جليّة، وذلك حين أراد يوسف أن يستبقي أخاه (بنيا مين) لديه في مصر، حتى يذهب إخوته ويحضروا أباهم معهم، فعمد سيدنا يوسف إلى الصواع (وهو ما يُكال به) فجعله في رحل أخيه ثم نادى منادٍ في العير (إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) ولمّا فتشت الرِّحال استخرج الصواع من رحل أخيه بنيامين، فأبقاه معه بهذه الحجة. وهذه الحيلة فيما نرى تعتمد الإخفاء والستر ثم الإظهار والكشف.
-ها هو سيدنا يعقوب (عليه السلام) حين يعود أولاده من مصر دون (بنيامين) شقيق يوسف يحزن عليه حزناً شديداً، ويتذكر مصابه بيوسف، فيفقد بصره، وفاقد البصر تخفى عليه مظاهر الأشياء. لكن قميص يوسف الذي حُمل إلى سيدنا يعقوب من مصر، وألقي على وجهه يعيد إليه بصره الذي فقده، وإذا كان فَقْد البصر (غياب وستر وإخفاء للأشياء) فإن الإبصار من بعد ذلك(حضور لما غاب، وكشف لما سُتر، وإبانة لما أُخفي).
-وتنتهي قصة يوسف بسجود أبويه وإخوته له، تأويلاً لرؤياه التي جاءت في بداية القصّة، فالرؤيا التي بدأت رمزاً وإشارة ودلالة، وهي أمور خفية غامضة تعتمد الإيحاء، ها هي الآن تنكشف وتظهر لا تأويلاً لفظياً مثلما فعل سيدنا يعقوب أوّّل القصة، وإنما فعلاً حقيقياً وواقعاً ملموساً ، ليقول يوسف في نهاية الأمر (يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا).
إذاً فإن الأحداث كلها في القصة تقوم على مبدأ الإظهار والإبانة، ومن هنا نتبين الغاية البلاغية من استهلال السورة بقوله تعالى (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ)، إذ جاء وصف القرآن بالمبين مؤشراً دلالياً على الخط الذي تقوم عليه الأحداث في البناء القصصي لـ سورة يوسف.
منقول بتصرف عن الباحث ياسر الأقرع
elswesry .
المساهمات : 810 التسجيل : 21/10/2009
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 23/2/2012, 5:09 pm
سلمت يمناك
صوالحه
قصه جميله جدا قصه سيدنا يوسف وانا بحبها جدا
دائما مواضيعك مميزة
جزاك الله خيرا
وجعله فى ميزان حسناتك
ومن تفوق الى تالق
تحياتى
محمد صوالحه f .
المساهمات : 600 التسجيل : 05/10/2010
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 24/2/2012, 10:55 am
عبــــــده
rolaroly عضو شغال
المساهمات : 117 التسجيل : 09/02/2012
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 25/2/2012, 5:46 pm
ماشاء الله كان الدلالات البلاغيه كثيره
ومتجددت الاكتشاف يا محمد
وهذا مايجعل الاسلام خاتم الاديان
ويجعل اقوى معجزات سيدنا ونبينا محمد القرأن
محمد صوالحه f .
المساهمات : 600 التسجيل : 05/10/2010
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 10/3/2012, 4:43 am
رنــــــــــــــــــــا
دلوعة المسافر .
المساهمات : 978 التسجيل : 04/08/2010
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 20/3/2012, 1:27 am
محمد صوالحة
بارك الله بقولك وعملك الطيب
وجزاك الله كل الخير
وربي يحفظك ويسدد خطاك
الى مايحبه ويرضاه دوماً
بإذن الله تعالى
محمد صوالحه f .
المساهمات : 600 التسجيل : 05/10/2010
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 24/3/2012, 4:18 pm
شهـــــــــــــــد
عاشق الرحيل عضو مجتهد
المساهمات : 165 التسجيل : 28/01/2012
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 24/5/2012, 11:20 am
اخى الحبيب صوالحه جعل الله الفردوس الاعلى منزلتك وزادك من فضله ونعيمه تقبل مرورى
هزيم الرعد .
المساهمات : 316 التسجيل : 24/12/2010
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 24/5/2012, 11:43 am
دُمتَمْ بِهذآ الع ـطآء أإلمستَمـرٍ
يُسع ـدني أإلـرٍد على مـوٍأإضيعكًـم
وٍأإألتلـذذ بِمـآ قرٍأإتْ وٍشآهـدتْ
تـقبلـوٍ خ ـآلص احترامي
لآرٍوٍآح ـكُم أإلجمـيله
محمد صوالحه f .
المساهمات : 600 التسجيل : 05/10/2010
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 25/5/2012, 11:18 am
عيوني عاشق الرحيل
محمد صوالحه f .
المساهمات : 600 التسجيل : 05/10/2010
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 25/5/2012, 11:21 am
هزيم الغالي
asmhan bilal بيبى
المساهمات : 7 التسجيل : 30/05/2012
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 30/5/2012, 11:27 am
الله يحميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك يا غالي
محمد صوالحه f .
المساهمات : 600 التسجيل : 05/10/2010
موضوع: رد: الإيجاز البلاغي في قصة النبي يوسف 2/6/2012, 3:12 am